بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، وينصر دينه ورسوله وعباده – في كل زمان ومكان – على رغم أنف كل مشرك وكافر ومنافق، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أرسله تبارك وتعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أزواجه الطاهرات الطيبات، المبرآت من كل رجس وإفك تفوه به المنافقون والمنافقات وعلى بقية آله وأصحابه المسارعين في الخيرات، والسابقين إلى المنازل العالية من الجنات الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون.
أما بعد:
ففي هذه الأيام تجرأ شقي خاسئ حسير، مهين حقير، بالنيل من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، الطيبة الطاهرة المطهرة من كل رجس المبرأة من كل إفك، فكتب ذلك الشقي الخائب اسمه في قائمة الداخلين في عموم قوله تعالى: ﴿ إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ﴾.
وحيث أن إفك ذلك الأفاك وأضرابه مردود في محكم القرآن، وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من البيان، وإجماع الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسان فهذه الأصول قد تضمنت بيان علو منزلة أم المؤمنين ورفعة شأنها عند الله ورسوله والمؤمنين.
وفي المثل: (نبح الكلاب لا يضر السحاب)، وكذلك فإن هذا الأفاك لن يكون آخر المنافقين الأفاكين، ولن يروج إفكه إلا على إخوانه مرضى القلوب المرتدين وكما أن من سنة الله تعالى الكونية أن الكلاب تتوالد وتتوارث العواء فكذلك أهل النفاق يتوارثون ذلك الضلال والإفك، ومن حكمة الشعر قول القائل:
لو كل كلب عوى ألقمته حجرا
لأصبح الصخر مثقالا بدينار
فهؤلاء الأفاكون لن يضروا إلا أنفسهم ولن يقبل إفكهم إلا شقي مثلهم.
ومثل هذا الأفاك الحقير، لا يستحق أن يذكر فضلا عن أن يرد عليه ويشهر، ولكن لما كان الشيء بالشيء يذكر، ولكثرة القال والقيل ممن لا علم عنده ولا خبر، أحببت أن أذكر بجمل يسيرة، مضيئة شهيرة من فضائل الصديقة أم المؤمنين، حبيبة سيد الأنبياء والمرسلين، وابنة خير المؤمنين بعد خاتم النبيين فأقول وبالله أستعين:
هي أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنه، المبرأة من الله تبارك وتعالى من فوق سبع سموات مما زعمه فيها المنافقون المعاصرون للنبي صلى الله عليه وسلم ومن سلك سبيلهم من أهل النفاق بكلام محكم يتلى إلى يوم القيامة.
ومن فضائها الثابتة المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة وعامة المسلمين حتى قيام الساعة:
أولا: أنه نزل ببراءتها قرآن من فوق سبع سموات محكم يتلى إلى يوم القيامة ويرد به على كل أفاك أثيم إلى آخر الدهر.
ثانيا: أن جبرائيل عليه السلام أقرأها من الله تبارك وتعالى السلام.
ثالثا: أنه ما كان الوحي يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في لحاف امرأة من أزواجه غيرها.
رابعا: أنها الطيبة زوجة الطيب محمد صلى الله عليه وسلم فهي أول من يدخل في عموم قوله تعالى في محكم قيله: ﴿ الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ﴾ وهكذا بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأنهن أزواجه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة والطيب لا يقرنه الله تبارك وتعالى إلا بطيبة مثله.
خامسا: أنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة. قيل: ومن الرجال؟ قال أبوها.
سادسا: أنها أفقه نساء الأمة في شريعة الله تبارك وتعالى وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأشهر نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الفتيا بإجماع المسلمين.
سابعا: أنها الوحيدة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم التي أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يمرض في بيتها وأختار الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يموت على صدرها بين حاقنتها وذاقنتها، فهي آخر من ودع صلى الله عليه وسلم من الأمة، وفي ذلك تنبيه على مهم من خصائصها ومكانتها من النبي صلى الله عليه وسلم.
ثامنا: أنها أفضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم سوى خديجة رضي الله عنهن، وفي تفضيلها على خديجة رضي الله عنهن خلاف:
أ- فقال بتفضيلها مطلقا جماعة من أهل العلم وهو قول له قوته وجهه.
ب- وقال بتفضيل خديجة رضي الله عنها مطلقا جماعة من أهل العلم – وهذا القول هو الأشهر وعليه الأكثر – من الأمة.
ج- وتوسط بعض فقهاء الملة فقالوا: كل واحدة منهما أفضل باعتبار.
فباعتبار مواساة النبي صلى الله عليه وسلم وتثبته وتأييده بنفسها ومالها في أول الإسلام فخديجة رضي الله عنها؛ فهي أفضل بهذا الاعتبار.
وباعتبار الفقه والفتيا وأنس النبي صلى الله عليه وسلم بها وما كان لها من الخصائص على بقية أمهات المؤمنين المعاصرات لها – فهي أفضل باعتبار آخر الأمر.
تلك مهمات من فضائلها رضي الله عنها وعن بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكلهن فاضلات طيبات طاهرات مبرءات من كل سوء.
كتبتها مختصرا لها لمسيس الحاجة. ومن أراد المزيد، فليقرأ سيرتها العطرة في دواوين الإسلام المعتبرة، وليعقل ما قاله أساطين أهل الإسلام في الثناء عليها، والتنوير بشأنها وعلو منزلتها، التي بوأها الله إياها لها ومن عز عليه دينه، وآمن بلقاء ربه وجزائه فلا يتلقف شبهات المنافقين مرضى القلوب ورثة شياطين اليهود، وحاقدي المجوس الحاقدين على الإسلام وأهله، الساعين في طمس معالمه، وهدم شعائره، فإنهم الأخسرون أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فلحماقتهم يخاصمون الله تعالى في قدره ويحادونه في شرعه، ويؤذن النبي صلى الله عليه وسلم في أهله، ويطعنون في خيار السلف الصالح نقلة لعلم والعمل وأئمة الأمة في فهم الكتاب والسنة، ليبطلوا الدين الحق بالطعن في سنده ونقلته، فجمعوا بين أقبح عمل وأخسر صفقة إذ افتروا على الله الكذب، وأضلوا عباده عن صراطه الموصل إلى الجنة، فهم حزب الشيطان الخاسرون، ونوابه في فتنة المكلفين عن الحق المبين، نعوذ بالله من مظلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسأله الهدى والثبات على خير منهاج وأصح سنن.. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.